النية
من أعظم حرمان العبد حرمانه من العلم الشرعي! تأمل.. كيف بزارع في أرض لا
يعرف موعد الزرع! ولا الحرث! ولا الأعمال الزراعية الأخرى! قد تنبت أرضه لكن بثمرة
قليلة على حسب علمه، وقد كان يكفيه من العلم اليسير لكي تنتج هذه الأرض المحصول
الوفير والثمرة الطيبة! وهكذا العلم الشرعي لأن الدنيا مزرعة الآخرة.
جلس يومًا في مجالس وكان المتحدث، يتحدث عن النية، وأنها الأمر الذي فاز به
الفائزون، وسبق به السابقون، فإصلاح النيات يصلح العبادات، وبإفساد النيات تفسد
العبادات. ثم عرج على أمر تعدد النية وأفاض في ذلك، وذكر قول أحد العلماء: «وددت
أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد
للتدريس في أعمال النيات ليس إلا، فإنه ما أتي على كثير من الناس إلا من تضييع ذلك».
ثم ساق حديث النبي r : «إنما الأعمال بالنيات..» [متفق عليه: أخرجه البخاري (1)، ومسلم
(1907) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه] ثم أفاض في مثال بسيط، وهو النية عند الوضوء
فقال تتعدد النيات ويتضاعف معها الأجر فأنت تنوي الوضوء امتثالاً لأمر الله عز وجل:
}إِذَا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ...{ [المائدة: 6] ثم أنت تمتثل أمر النبي r : «وصلوا كما رأيتموني أصلي» ثم أنت تتوضًا لرفع الحدث والدخول في
الصلاة.. ثم أنت تتوضًا وتنوي كما في الحديث أن تتساقط خطاياك مع قطرات الماء..
وهكذا. كم نية في الوضوء؟ وكم تنوي اليوم إذا توضأت؟ بعضهم نسي النية فتحولت
العبادة إلى عادت يؤديها!. تأملوا في حال من يزور أقاربه، وكم نية ينويها بهذا
الزيارة؟ صلة رحم، وتعليم جاهل، وأمر بمعروف، وزيارة إخوان في الله، وغيرها!.
بعد هذه الكلمة البسيطة في كلماتها العظيمة في نفعها، لا زال يتمثل بين
الحين والآخر أنه مزارع في هذه الدنيا، فيجب عليه إن أراد الارتقاء بزرعه وحسن
ثمرته أن يسلك أفضل الطرق وأنجعها، ولا يتم له ذلك إلا بالعلم. فكيف بأمر الدين
والجهل يخيم علي من كل ناحية! كيف بي أسير إلى الآخرة وأنا أبحث عن الجنة وأزرع
لها دون علم فتثمر حنظلاً وشوكًا!
وعندما عزم الأمر وبيت النية على طلب العلم الشرعي جاءته البشارة العظيمة
من حديث الرسول r : «من سلك طريقًا يلتمس به علمًا سهل الله به طريقًا إلى الجنة»..ثم
تذكر عظم الأجر في الطلب وحين البذل فسعى دون تردد «ومن عمل صالحًا فلنفسه».