العزة لمن؟
«داداب»منطقة صحراوية قاحلة، تقع على الحدود بين كينيا والصومال، وكانت
نقطة تجمع للاجئين الصوماليين الفارين من جحيم الحرب الأهلية في بلدهم. فاجتمع بها
عدد كبير من الرجال والنساء والأطفال، يفوق ثلاثمائة ألف لأجئ. وقد أقامت إحدى عشرة
منظمة تنصيري مواقع لها في معسكرات اللاجئين، وفي وسط الحشد الهائل من المنظمات
الغربية لا توجد سوى مؤسسة إسلامية وحيدة- بارك الله في جهودها- وهي مؤسسة الحرمين
الخيرية، فأقامت في كل معسكر عشرات المساجد، وبدأت تعلم الأطفال وتدرسهم حتى بلغ
عدد الطلاب في مدارسها المقامة في تلك المنطقة أكثر من ثلاثين ألف طالب، وهذه
المعلومات ليست جديدة على القارئ فقد كتبت فيها تقارير وافية لمن زارها من الدعاة
وكذلك مندوبي مؤسسة الحرمين الخيرية.
في هذه البقعة الجرداء تظهر الصراعات العجيبة، مع الفقر والمرض والحاجة،
وتسعى المنظمات إلى دعوة المسلمين إلى التنصر، بشكل علني ومباشر، وشعار الجميع
المبطن (النصرانية أو الموت).
لا يرقبون في مسلم إلاًّ ولا ذمة. إنها حرب اجتمع فيها على المسلمين
التنصير مع الجوع والعطش والفاقة والمرض! وفي وسط هذا السواد المظلم من دعوة
النصارى، وجوع المسلمين وحاجتهم، جرت أحداث بسيطة، وواقعة سريعة تمثل الاعتزاز
بالدين ورفع الرأس به، حيث طلبت الأمم المتحدة هناك اجتماعًا للمنظمات العامة، بما
فيها مؤسسة الحرمين، وكان مندوب المؤسسة هناك من الشباب السعودي، قال وهو يحدثني: لما
دعيت إلى الاجتماع وجدت أن الموعد يوافق صلاة الجمعة، وكأنهم وقتوا للأمر. فاعتذرت
لهم برسالة خطية بأنني مسلم، وهذا وقت صلاة الجمعة، ولا يمكنني إجابة الدعوة، ونظرًا
لحاجتهم لحضوري لأمور تنسيقية مهمة أعادوا الكتابة وسؤالي عن الوقت المناسب.فأرسلت
لهم بأن الساعة الواحدة والنصف من ظهر يوم الجمعة، بعد انتهاء الصلاة موعد مناسب، وكررت
كلمة الصلاة، والإسلام في الخطاب كثيرًا.
قال: فأجابوني إلى طلبي، ولما أديت صلاة الجمعة خطيبًا، يممت نحو مكان الاجتماع،
وحين دلفت إلى القاعة وقد اكتمل عقد الحضور فإذا بامرأة سافرة في وسط الجمع،
مندوبة عن مؤسسة تهتم برعاية الطفولة، فتراجعت ولم أدخل، فأدركني المسئول المنظم للاجتماع
وتساءل. لماذا عدت؟ ماذا جرى؟ قلت له: أنا مسلم ولا أجلس في مكان فيه امرأة سافرة
لست محرمًا لها. فدخل عليهم ليبدي وجهة نظري، وسمعتهم يتداولون الأمر، ثم بعد
برهة، إذا بالمرأة تحرج من الاجتماع وتمر بجواري خارجة من القاعة. عندما دخلت بعزة
وشموخ، وجلست على كرسي معد لي، وضع أمامه اسم مؤسستي. وبدأ الاجتماع في وسط الحضور
الكبير، وخلال دقائق فإذا بي أسمع صوت المرأة وقد أطلت بنصف رأسها مع الباب، وهي
تستأذن في الدخول. فلما لمحتها إذ بها وضعت غطاء على رأسها. عندها أذنت لها
بالدخول وقلت بصوت مسموع: بشرط أن تبقى خلفي حتى لا أنظر إليها. فقبلت وسر الجميع
بهذا القبول مني وشكروني على ذلك، وعندها أسهبت في الحديث عن تكريم الإسلام
للمرأة، وكيف هي مكانة الأم، والأخت والزوجة!؟ والعجيب أن أحدًا لم يقاطعني، أو
يستدرك علي! لكني أصدقكم الحديث بهذه التجربة دين الإسلام .. دين العزة والشموخ،
لكن من يرفع به رأسًا!