أحسن
إلى الناس
فإنَّ
الإحسانَ على الناسِ طريقٌ واسعةٌ من طرقِ السعادةِ . وفي حديثٍ صحيح : (( إنَّ
الله يقولُ لعبدهِ وهو يحاسبُهُ يوم القيامةِ : يا ابنَّ آدم ، جعتُ ولم تطعمْني .
قال : كيف أطعمُك وأنت ربُّ العالمين ؟! قال : أما علمت أنَّ عبدي فلان ابن فلانٍ
جاع فما أطعمْتهُ ، أما إنكَ لو أطعمْتَهُ وجدتَ ذلك عندي . يا ابن آدم ، ظمئتُ
فلمْ تسقني . قال : كيف أسقيك وأنت ربُّ العالمينَ! قال : أما علمت أنَّ عبدي فلان
ابن فلانٍ ظمِئَ فما أسقيته ، أما إنَّك لوْ أسقيته وجدْت ذلك عندي . يا ابن آدم ،
مرضْتُ فلم تعُدني . قال : كيف أعودُك وأنت ربُّ العالمين ؟! قال : أما علمْت أنَّ
عبدي فلان ابن فلانٍ مرض فما عدْتَهُ ، أما إنك لوْ عدتهْ وجدتني عندهُ ؟! )) .
هنا
لفتةٌ وهي وجدتني عندهُ ، ولم يقلْ كالسابقتين : وجدته عندي ؛ لأنَّ الله عند
المنكسِرة قلوبُهم ، كالمريض . وفي الحديثِ : (( في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ )) .
واعلمْ أنَّ أدخل امرأةً بغِيّاً منْ بني إسرائيل الجنة ، لأنها سقتْ كلباً على
ظمأ . فكيف بمنْ أطعمَ وسقى ، ورفع الضائقة وكشف الكُرْبَةَ ؟!
وقدْ
صحَّ عنهُ - صلى الله عليه وسلم - أنهُ قال : (( مَنْ كان لهُ فضلُ زادٍ فليَعُد
بهِ على مَنْ لا زاد لهُ ، ومنْ كان له فضلُ ظهْرٍ فليعدْ بهِ على منْ لا ظهر لهُ
)) . أي ليس لهُ مركوبٌ .
وقدْ
قال حاتمٌ في أبياتٍ لهُ جميلةٍ ، وهو يُوصِي خادمهُ أنْ يلتمس ضيفاً يقولُ
أوقدْ فإنَّ الليل ليلٌ قرُّ إذا أتى ضيفٌ فأنت حُرُّ
ويقول
لامرأته :
إذا ما صنعتِ الزاد فالتمسي لهُ أكيلاً فإني لستُ آكلُهُ وحدي
وقال
أيضاً :
أماويَّ إنَّ المال غادٍ ورائحٌ ويبقى من المالِ الأحاديثُ
والذِّكْرُ
أماويَّ ما يُغني الثراءُ عنِ الفتى إذا حشرجتْ يوماً وضاق
بها الصدرُ
ويقول
:
فما
زادنا فخراً على ذي قرابةٍ
غِنانا
ولا أزرى بأحسابنا الفقْرُ
وقال
عروةُ بنُ حزامٍ
أتهزأُ مني أن سمنِت وأن ترى بوجهي شحوب الحقِّ والحقُّ جاهدُ
أوزِّعُ جسمي في جسومٍ كثيرةٍ وأحسو قراح الماءِ والماءُ باردُ
وكان
ابنُ المباركِ لهُ جارٌ يهوديٌ ، فكان يبدأ فيُطعم اليهوديَّ قبل أبنائهِ ، ويكسوه
قبل أبنائِه ، فقالوا لليهوديِّ : بعنا دارك . قال : داري بألفيْ دينارٍ ، ألفٌ
قيمتُها ، وألفٌ جوارُ ابن المباركِ ! . فسمع ابن المباركِ بذلك ، فقال : اللهمَّ
اهدِهِ إلى الإسلامِ . فأسلم بإذنِ اللهِ !.
ومرَّ
ابنُ المبارك حاجّاً بقافلةٍ ، فرأى امرأةً أخذتْ غُراباً مْيتاً من مزبلةٍ ،
فأرسلَ في أثرِها غلامه فسألها ، فقالتْ : ما لنا منذُ ثلاثةِ أيامٍ إلا ما يُلقى
بها . فدمعتْ عيناهُ ، وأمر بتوزيعِ القافلةِ في القريةِ ، وعاد وترك حجّته تلك
السنةِ ، فرأى في منامِهِ قائلاً يقولُ : حجٌّ مبرورٌ ، وسعيٌ مشكورٌ ، وذنبٌ
مغفورٌ .
ويقولُ
اللهُ عزَّ وجلَّ : * وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ
خَصَاصَةٌ * .
وقالَ
أحدُهُمْ :
إني وأنْ كنتُ امرأً متباعداً عن صاحبي في أرضهِ وسمائِهِ
لمفيدهُ نصري وكاشفُ كَرْبهِ ومجيبُ دعوتِه وصوتُ ندائِه
وإذا ارتدى ثوباً جميلاً لمْ أقلْ يا ليت أنَّ علىَّ فضلَ كسائِهِ
يا
للهِ ما أجملَ الخلُقَ ! وما أجلَّ المواهبَ ! وما أحسن السجايا !
لا
يندمُ على فعْلِ الجميلِ احدٌ ولو أسرف ، وإنما الندمُ على فعلِ الخطأ وإنْ قلَّ .
وقال
أحدُهُمْ في هذا المعنى :
الخيرُ أبقى وإنْ طال الزمانُ بهِ والشرُّ أخبثُ ما
أوْعَيْتَ مِنْ زَادِ
*************************
منقول من كتاب
لا تحزن
للشيخ عائض القرني