" العنوســــــــــــــــــة "
..
لفظ مفزع ومؤلم، ويثير الكثير من القلق لدى البنات والأهالي، وكل من يهتم
بأمر هذا المجتمع، خاصة عندما دخلت المشكلة في دائرة الضوء، وأصبح لدينا
أرقام وإحصاءات تضع الحقيقة أمام أعيننا. إن الأرقام بالملايين، وعندما
تتحدث لغة الأرقام تتوارى أصوات أخرى مهمة؛ حيث إنه الرقم المفزغ يجعلنا
لا نرى ما يختبئ في خلفية وجوانب الصورة..
إن
العنوسة في مفهوم المجتمع هي تأخر سن الزواج لدى الفتيات، ولكن من الذي
يحدد السن المناسبة التي بعدها تدخل البنت دائرة العنوسة. في الماضي كانت
جداتنا يتزوجن عن سن 12 و13 سنة، وكان هذا طبيعيًّا جدًا، وكانت قمة
العنوسة أن تصل البنت إلى سن الـ 20 دون زواج، ثم ظلت السن ترتفع حتى
وصلنا إلى الثلاثينيات وما فوقها...
والسؤال الأول والمهم هنا: هل المشكلة فقط في السن؟
..
بمعنى آخر هل فتياتنا اليوم مؤهلات لتحمل مسئولية في الاستقرار الأسري
والزواج الناجح. في الماضي كانت الفتاة تعي بفطرتها احترام الزوج وإقامة
البيت.. أما اليوم فبناتنا لا يعلمن ماذا يعني الزواج.. إذن فالأرقام
هامة، ولكن الدلالات لها أهميتها أيضا. إن التعامل مع أزمة العنوسة على
أنها مشكلة كبيرة تهدد المجتمع واستقراره أمر مطلوب ومهم، لكن على أن
يتناسب مع حجم المشكلة.
السؤال الثاني هو: هل يمكن تناول هذه المشكلة بمعزل عن بقية مشاكلنا الاجتماعية؟
إن
ذلك يجعل الحلول دائمًا قاهرة، ويؤدي إلى تصورات مبتورة. الواقع أن
العنوسة إنما تحتل فقط قمة جبل الجليد الذي يظهر لنا واضحًا فوق السطح،
ولكن تحت الماء يختبئ الكثير والكثير في مشاكلنا الاجتماعية.
فكما
تتعرض مجتمعاتنا العربية والإسلامية للكثير من المشاكل والأزمات
الاقتصادية والسياسية.. فإن أخطر ما تتعرض له هو الانهيار الاجتماعي الذي
يضرب جذور وروابط وثوابت هذه المجتمعات. فلا يمكن أبدًا أن نبحث أزمة
العنوسة دون نظرة كلية شاملة لواقعنا الاجتماعي:
مفهوم الأسرة والبيت وقدسية الحياة الزوجية..
دور الزوج والأب كراعٍ للأسرة، وليس فقط مصدرًا للإنفاق المادي ، بل له دور في تربية الأبناء، ونجاح الأسرة في أداء دورها..
دور الزوجة في الوقوف بجانب زوجها، وتحمل تبعات الزواج وصعوبات البداية، وتحمل العواصف بصبر حتى ترسو السفينة على شاطئ الأمان..
دور الأسرة في تربية أبنائها على تحمل المسئولية..
المعنى الحقيقي للزواج..
دور وسائل الإعلام في إبراز الجانب المادي، وإعلاء قيمته فوق المعنى الإنساني والعاطفي للزواج..
هل
سألنا الفتى والفتاة قبل الزواج: لماذا تريد أن تتزوج؟ وماذا تتمنى أن
تقدم لك شريكة حياتك؟ قد نجد الشاب يريد زوجة مثل فتيات الإعلانات وأغاني
الفيديو كليب، والفتاة تريد زوجًا يحقق لها حياة ناعمة مرفهة وبيتًا على
غرار القصور والفيلات التي نراها على الشاشة الفضية في المسلسلات، كما لو
كانت بلادنا لم يعد بها بيوت عادية لا تملؤها التحف والكماليات، ويظل
الشاب يبحث عن الصورة التي في خياله، والفتاة تنتظر المليونير، وتمر
السنوات.. وهكذا نصنع نحن مشاكلنا!
السؤال الثالث: هل تأخر سن الزواج أسبابه اقتصادية فقط؟
إن
المشكلة برغم اختلاف أسبابها وظواهرها فإنها موجودة في جميع البلاد
العربية باختلاف ظروفها ومجتمعاتها.. ولكنها تعبر عن نفسها بصورة مختلفة؛
فالأرقام كما تفزعنا في مصر (9 ملايين عانس وعزب) تقابلها الجزائر بثلث
تعدادها عوانس وعزاب، والإمارات 68%، 26%: السعودية، وقطر، والأردن،
ولبنان، والكويت، وفلسطين.
إذن فالمشكلة
تخطت الحدود.. وهذا أكبر إثبات على أن المشكلة ليست اقتصادية فقط؛ فإن دول
الخليج تئن وتصرخ مثل مصر والأردن والجزائر برغم الفارق في المستوى
الاقتصادي ودخل الفرد هنا وهناك.
حتى ادعاء
أن المغالاة في المهور في دول الخليج هي السبب لا تفسر وحدها انتشار
الظاهرة هناك.. فهل كل عائلات الفتيات ذات مستوى مادي مرتفع، وتطالب الشاب
بمطالب مرتفعة وكل أسر الشباب فقيرة، ولا تستطيع تحمل تكاليف الزواج؟! إذن
فمن هم هؤلاء الشباب العرب الذين يسافرون للسياحة في أوروبا، وينفقون آلاف
الدراهم والريالات هناك، ثم يعزفون عن الزواج لارتفاع تكاليفه؟!!
إن
المشكلة الكبرى أن ينظر لتأخر سن الزواج من منظور واحد، أو أن يفسر على
أساس سبب واحد، وإنما تعدد الأسباب وترابطها وتشابكها هو ما يزيد المشكلة
تعقيدًا.
منقول