تفاؤلٌ
وتشاؤمٌ
* فَأَمَّا
الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{124} وَأَمَّا
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ
وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ * .
كثيرٌ من الأخيارِ تفاءلوا بالأمرِ الشّاقِّ العسير ، ورأوْا في ذلك
خيْراً على المنهجٍ الحقِّ : * وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ
لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ * .
فهذا أبو الدرداءِ يقولُ : أُحبُّ ثلاثاً يكرهُها الناسُ : أحبُّ
الفَقْرَ والمرَضَ والموْتَ ، لأنَّ الفقرَ مسكنةٌ ، والمرضَ كفَّرةٌ ، والموت
لقاءٌ باللهِ عزَّ وجلَّ .
ولكنَّ الآخرَ يكرهُ الفقر ويذُمُّه ، ويُخبرُ أنَّ الكلاب حتى هي
تكرهُ الفقير :
إذا رأتْ يوماً فقيراً مُعدماً هرَّتْ عليهِ
وكشرَّتْ أنيابها
والحُمَّى رحَّب بها بعضُهم فقال :
زارتْ مكفِّرةُ الذنوبِ سريعةً فسألتُها باللهِ
أن لا تُقْلِعِي
لكنّ المتنبي يقولُ عنها :
بذلتُ لها المطارف والحشايا فعافتْها وباتتْ في
عِظامي
وقال يوسُفُ عليهِ السلامُ عنِ السجنِ : * السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ
مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ * .
وعليُّ بنُ الجهم يقولُ عنِ الحبْسِ أيضاً :
قالوا حُبِسْت فقلتُ ليس بضائري حبسْي وأيُّ
مهنَّدٍ لا يُغْمدُ
ولكنّ عليَّ بن محمدٍ الكاتب يقولُ :
قالوا حُبست فقلتُ خطْبٌ نكِدٌ أنْحى عليَّ به
الزمانُ المُرْصدُ
والموتُ أحبَّه كثيرٌ ورحَّبوا بهِ ، فمعاذٌ يقولُ : مرحباً بالموتِ
، حبيبٌ جاء على فاقةٍ ، أفلح منْ ندم .
ويقولُ في ذلك الحُصيُن بنُ الحمامِ :
تأخَّرتُ أستبقي الحياة فلمْ أجِدْ لنفسي حياةً
مثْل أن أتقدَّمَا
ويقولُ الآخرُ : لا بأس بالموتِ إذا الموتُ نزلْ .
ولكنَّ الآخرين تذمَّرُوا من الموتِ وسبُّوه وفرُّوا منهُ .
فاليهودُ أحرصُ الناسِ على حياةٍ ، قال سبحانه وتعالى عنهمْ : * قُلْ
إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ * .
وقال بعضُهم :
ومالي بعد هذا العيشِ عيشٌ ومالي بعد هذا الرأسِ
رأسُ
والقتلُ في سبيل اللهِ أمنيةٌ عذْبةٌ عند الأبرارِ الشرفاءِ : *
فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ * .
وابنُ رواحة ينشدُ :
لكنَّني أسألُ الرحمنَ مغفرةً وطعنةً ذات فزعٍ تقذِفُ الزَّبدا
ويقولُ ابنُ الطِّرِمَّاح :
أيا ربَّ لا تجعلْ وفاتِي إنْ أتتْ على شرْجَعَ
يعلو بحُسْنِ المطارِفِ
ولكنْ شهيداً ثاوياً في عصابةٍ يُصابون في فجٍّ
مِن الأرض خائفِ
غير أنَّ بعضهمْ كرِه القتْلَ وفرَّ منه ، يقولُ جميلُ بثينة :
يقولون جاهِد يا جميلُ بغزوةٍ وأيُّ جهادٍ
غيرهُنَّ أُريدُ
وقال الأعرابيُّ : واللهِ إني أكرهُ الموت على فراشي ، فكيف أطلبُه
في الثغورِ * قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
* ، * قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ
الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ * . إنَّ الوقائع واحدةٌ لكنَّ النفوس هي التي
تختلفُ .
*******************