اللهُ
وليُّ الذين آمنُوا
العبدُ بحاجةٍ إلى إلهٍ ، وفي ضرورةٍ إلى مولىً ، ولابدَّ في الإلهِ
من القُدرةِ والنُّصرةِ ، والحُكمِ ، والغنمِ ، والغناءِ والقوةِ ، والبقاءِ .
والمُتَّصِفِ بذلك هو الواحدُ الأحدُ الملكُ المهيمنُ ، جلَّ في علاه .
فليس في الكائناتِ ما يسكُن العبدُ إليهِ ويطمئنُّ به ، ويتنعَّمُ
بالتَّوجُّه إليه إلا اللهُ سبحانه ، فهو ملاذُ الخائفين ، ومعاذُ المُلجئِين ،
وغوْثُ المستغيثين ، وجارُ المستجيرين : * إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ
فَاسْتَجَابَ لَكُمْ * ، * وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ * ، * لَيْسَ
لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ * ، ومنْ عبد غيْر اللهِ ، وإنْ أحبَّه
وحصل له به مودَّةٌ في الحياةِ الدنيا ، ونوعٌ من اللَّذَّةِ - فهو مَفْسَدةٌ
لصاحبه أعظمُ منْ مفسدةِ التذاذِ أكلِ الطعامِ المسمومِ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا
آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا
يَصِفُونَ * فإنَّ قوامهُما بأنْ تألها الإله الحقَّ ، فلو كان فيهما آلهةٌ غيرُ
اللهِ ، لم يكنْ إلهاً حقّاً ، إذ اللهُ لا سمِيّ له ولا مِثْل له ، فكانتْ تفسُد
، لانتفاء ما به صلاحُها ، هذا من جهة الإلهية . فعُلِم بالضرورة اضطرار العبدِ
إلى إلهِهِ ومولاهُ وكافِيهِ وناصرِه ، وهو اتِّصالُ الفاني بالباقي ، والضعيفِ
بالقويِّ ، والفقيرِ بالغنيِّ ، وكلُّ منْ لم يتَّخِذ الله ربّاً وإلهاً ، اتَّخذ
غيره من الأشياءِ والصورِ والمحبوباتِ والمرغوباتِ ، فصار عبداً لها وخادماً ، لا
محالة في ذلك : * أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ * ، *وَاتَّخَذُوا
مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً * . وفي الحديثِ : (( يا حُصيْنُ ، كم تعبدُ ؟ )) قال :
أعبدُ سبعةً ، ستةً في الأرضِ ، وواحداً في السماءِ . قال : (( فمنْ لِرغبِك
ولِرهبِك ؟ )) . قال : الذي في السماءِ . قال : (( فاترُكِ التي في الأرضِ ، واعبُدِ
الذي في السماءِ )) .
واعلمْ أنَّ فقر العبدِ إلى اللهِ ، أنْ يعبد الله لا يُشركُ به
شيئاً ، ليس له نظيرٌ فيُقاسُ به ، لكنْ يُشبِهُ - منْ بعضِ الوجوهِ - حاجة الجسدِ
إلى الطعامِ والشرابِ ، وبينهما فروقٌ كثيرةٌ .
فإنَّ حقيقة العبدِ قلبُه ورُوحُه ، وهي لا صلاح لها إلا بإلهها
اللهِ الذي لا إله إلا هو ، فلا تطمئنَّ في الدنيا إلا بذكْرِه ، وهي كادحةٌ إليه
كدْحاً فمُلاقيتُه ، ولابُدَّ لها منْ لقائِه ، ولا صلاح لها إلا بلقائِهِ .
ومنْ لقاء اللهِ قد أحبَّا كان له اللهُ أشدَّ حُبّا
وعكسُه الكارِهُ فالله اسألْ رحْمتهُ فضلاً ولا
تتكِلْ
ولو حصل للعبد لذَّاتٌ أو سرورٌ بغيرِ اللهِ ، فلا يدومُ ذلك ، بلْ
ينتقلُ منْ نوع إلى نوع ، ومنْ شخصٍ إلى شخصٍ ، ويتنعَّمُ بهذا في وقتٍ وفي بعض
الأحوالِ ، وتارةً أُخرى يكون ذلك الذي يتنعَّمُ به ويلتذُّ ، غير منعّمٍ لهُ ولا
ملتذٍّ له ، بلْ قد يُؤذيهِ اتّصالُه به ووجودُه عنده ، ويضرُّه ذلك .
وأمّا إلههُ فلابُدَّ لهُ منه في كلِّ حالٍ وكلِّ وقتِ ، وأينما كان
فهو معه .
عساك ترضى وكلُّ الناسِ غاضبةٌ إذا رضيت فهذا مُنتهى أملي
وفي الحديثِ : (( منْ أرضى الله بسخطِ الناسِ ، رضي الله عليه ، وأرضى
عنه الناس . ومنْ أسخط الله برضا الناس ، سخِط اللهُ عليه وأسخط عليهِ الناس )) .
ولا زلتُ أذكرُ قصَّة (العكوَّك ) الشاعرِ وقدْ مدح أبا دلفٍ الأمير فقال :
ولا مددْت يداً بالخيرِ واهِبةً إلاَّ قضيت
بأرزاقٍ وآجالِ
فسلَّط اللهُ عليهِ المأمون فَقَتَلَه على بساطِهِ بسببِ هذا البيت *
وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * .
***********************