الإغضاءُ
عنِ هفواتِ الإخوانِ
* خُذِ
الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * .
لا ينبغي أنْ يزهد فيهِ - أي الأخ- لخُلُقٍ أو خُلُقَيْن ينكرُهما
منهُ، إذا رضي سائر أخلاقِه ، وحمِد أكثرَ شِيمِه ، لأنَّ اليسير مغفورٌ ، والكمال
مُعوزٌ ، وقدْ قال الكِنْديُّ : كيف تريدُ منْ صديقِك خُلُقاً واحداً ، وهو ذو
طبائع أربعٍ . مع أنَّ نفْس الإنسانِ التي هي أخصُّ النفوسِ به ، ومدبَّرةٌ
باختيارِه وإرادتِه ، لا تُعطيه قيِادها في كلِّ ما يريدُ ، ولا تُجيبُه إلى
طاعتِه في كلِّ ما يجبُ ، فكيف بنفسِ غيرِه ؟! * كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ
فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ * ، * فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ
بِمَنِ اتَّقَى * .
وحسْبُك أنْ يكون لك منْ أخيك أكثرُه ، وقدْ قال أبو الدرداءِ - رضي
الله عنه - : مُعاتبَةُ الأخِ خَيْرٌ منْ فقْدِه ، منْ لك بأخيك كلِّه ؟! فأخذ
الشعراءُ هذا المعنى ، فقال أبو العتاهية :
أَأُخيَّ منْ لك مِن بني الد نيا بكلِّ أخيك منْ لكْ
فاسْتبْقِ بعضك لا يَمَلُّـ ـك كلُّ منْ لم تُعْطِ كُلَّكْ
وقال أبو تمامٍ الطائيُّ :
ما غبن المغبون مِثْلُ عقْلِهِ منْ لك يوماً
بأخيك كُلِّهِ
وقال بعضُ الحكماء : طَلَبُ الإنصافِ ، مِنْ قلَّةِ الإنصافِ .
وقال بعضُهم : نحنُ ما رضِينا عنْ أنفُسِنا ، فكيف نرضى عنْ غيرِنا
!!
وقال بعضُ البلغاءِ : لا يُزهدنَّك في رجلٍ حمدت سيرته ، وارتضيت وتيرته
، وعرفت فَضْله ، وبطنت عقله - عَيْبٌ خفيٌّ ، تحيطُ به كثرةُ فضائلِه ، أو ذنبٌ
صغيرٌ تستغفرُ له قوةُ وسائلِه ، فإنك لنْ تجِد - ما بقيت - مُهذَّباً لا يكونُ
فيه عيبٌ ، ولا يقعُ منه ذنبٌ ، فاعتبرْ بنفسك بعدُ ألاَّ تراها بعينِ الرضا ، ولا
تجري فيها على حُكمِ الهوى ، فإنَّ في اعتبارِك بها ، واختبارِك لها ، ما يُواسيك
مما تطلبُ ، ويعطِفك على منْ يُذنبُ ، وقد قال الشاعرُ :
ومنْ ذا الذي تُرضى سجاياهُ كلُّها كفى المرء
نُبلاً أنْ تُعدَّ معايبُهْ
وقال النابغةُ الذُّبيانيُّ :
ولست بمُسْتبْقٍ أخاً لا تلُمُّهُ على شعثٍ أيُّ
الرِّجالِ المهذَّبِ
وليس ينقضُ هذا القول ما وصفناهُ منْ اختبارِه ، واختبارِ الخصالِ
الأربع فيه ، لأنَّ ما اعوز فيه معفوٌّ عنهُ ، هذا لا ينبغي أنْ تُوحشك فترةٌ
تجدُها منهُ ، ولا أنْ تُسيء الظَّنَّ في كبوةٍ تكونُ منه ، ما لم تتحقَّق تغيُّره
، وتتيقَّن تنكُّره ، وليصرفْ ذلك إلى فتراتِ النفوسِ ، واستراحاتِ الخواطرِ ،
فإنَّ الإنسان قد يتغيَّرُ عنْ مُراعاةِ نفسِه التي هي أخصُّ النفوسِ به ، ولا
يكونُ ذلك منْ عداوةٍ لها ، ولا مللٍ منها . وقدْ قيل في منثورِ الحِكمِ : لا
يُفسِدنَّك الظَّنُّ على صديقٍ قد أصلحك اليقينُ له . وقال جعفرُ بنُ محمدٍ لابنِه
: يا بُنيَّ ، منْ غضب من إخوانِك ثلاث مرَّاتٍ ، فلمْ يقُل فيك سوى الحقِّ ،
فاتخِذْه لنفسِك خِلاّ . وقال الحسنُ بنُ وهبٍ : منْ حقوقٍ المودَّةِ أخْذُ عَفْوِ
الإخوانِ ، والإغضاءُ عن تقصير إن كان . وقد روي عنْ عليٍّ - رضي اللهُ عنهُ - في
قولِه تعالى : * فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ * ، قال : الرِّضا بغيرِ عتابٍ .
وقال ابنُ الروميِّ :
همُ الناسُ والدنيا ولابُدَّ منْ قذىً يُلِمُّ
بعينٍ أو يُكدِّرُ مشْربا
ومنْ قلّةِ الإنصافِ أنَّك تبتغي الـ ـمُهذَّب
في الدنيا ولست المهذَبا
وقال بعضُ الشعراءِ :
تَوَاصُلُنا على الأيامِ باقٍ ولكنْ هجرُنا مطرُ
الرَّبيعِ
يرُوعُك صَوْبُهُ لكنْ تراهُ على علاَّتِهِ داني
النُّزُوعِ
معاذ اللهِ أنْ تلقى غِضاباً سوى دلُ المطاعِ
على المُطيعِ
* وَلَوْلَا
فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً *
تريدُ مُهذَّباً لا عيب فيه وهلْ عُودٌ يفُوحُ
بلا دُخانِ
* فَلَا
تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى * .
***********************