انغمسْ
في العملِ النافعِ
أنَّ الوليد بن المغيرةِ وأُمية بن خَلَفٍ والعاص بن وائل أنفقوا
أموالهم في محاربةِ الرسالةِ ومجابهةِ الحقِ * فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ
عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ * . ولكنَّ كثيراً من المسلمين يبخلون
بأموالِهمْ ، لئلاَّ يُشاد بها منارُ الفضيلةِ ، ويُبنى بها صرحُ الإيمانِ * وَمَن
يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ * ، وهذا جَلَدُ الفاجِر وعجْزُ
الثقةِ .
في مذكّراتِ ( جولدا مائير ) اليهوديةِ ، بعنوان ( الحقد ) : فإذا هي
في مرحلةٍ منْ مراحلِ حياتِها تعملُ ستَّ عشرة ساعةً بلا انقطاعٍ ، في خدمةِ
مبادئِها الضّالَّةِ وأفكارِها المنحرفةِ ، حتى أوجدتْ مع ( بن جوريون ) دولةً ،
ومنْ شاء فلينظُرْ كتابها .
ورأيتُ ألوفاً منْ أبناءِ المسلمين لا يعملون ولو ساعةً واحدةً ،
إنما همْ في لهو وأكلٍ وشُربٍ ونومٍ وضياعٍ * مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ
انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ *.
كان عمرُ دؤوباً في عمله ليلاً ونهاراً ، قليل النوم . فقال أهلُه :
ألا تنامُ ؟ قال : لو نمتُ في اللّيلِ ضاعتْ نفْسِي ، ولو نمتُ في النهارِ ضاعتْ
رعيَّتِي .
في مذكراتِ الهالكِ ( موشى ديان ) بعنوان ( السيفُ والحكمُ ) : كان
يطيرُ من دولةٍ إلى دولةٍ ، ومنْ مدينةٍ إلى مدينةٍ ، نهاراً وليلاً ، سرّاً
وجهراً ، ويحضرُ الاجتماعاتِ ، ويعقدُ المؤتمراتِ ، وينسِّقُ الصَّفقاتِ ،
والمعاهدات ، ويكتبُ المذكّراتِ . فقلتُ : واحسرتاهُ ، هذا جَلَدُ إخوانِ القردةِ
والخنازيرِ ، وذاك عَجْزُ كثيرٍ من المسلمين ، ولكنْ هذا جلدُ الفاجرِ وعَجْزُ
الثقةِ .
لو كنتُ منْ مازنٍ لم تستبِحْ إبِلي بنو اللَّقطيةِ مِنْ ذُهْلِ بنِ شيْبانا
لقدْ حارب عمرُ العطالة والبطالة والفراغ ، وأخرج شباباً سكنوا
المسجد ، فضربهم وقال : اخرجوا واطلبوا الرِّزق ، فإنَّ السماء لا تمطرُ ذهباً ولا
فضةً . إنَّ مع الفراغ والعطالةِ : الوساوس والكدَرَ والمرضَ النفسيَّ والانهيارً
العصبيَّ والهمَّ والغمَّ . وإنَّ مع العملِ والنشاطِ : السرور والحُبُور والسعادة
. وسوف ينتهي عندنا القلقُ والهمُّ والغمُّ ، والأمراضُ العقليَّةُ والعصبيَّةُ
والنفسيَّةُ إذا قام كلٌّ بدورِهِ في الحياةِ ، فعُمِلتِ المصانعُ ، واشتغلتِ
المعاملُ ، وفتحتِ الجمعيّاتُ الخيريَّةُ والتعاونيَّةُ والدعويَّةُ ، والمخيماتُ
والمراكزُ والمُلتقياتُ الأدبيَّةُ ، والدَّوراتُ العلميَّةُ وغَيْرُها .. *
وَقُلِ اعْمَلُواْ * ، * فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ * ، * سَابِقُوا* ،
*وَسَارِعُواْ* ، (( وإن نبيَّ اللهِ داود كان يأكلُ من عملِ يدِه )) .
وللرّاشدِ كتابٌ ، بعنوان ( صناعةُ الحياةِ ) ، تحدَّث عنْ هذهِ
المسالةِ بإسهابٍ ، وذَكَرَ أنَّ كثيراً من الناسِ لا يقومون بدورِهم في الحياةِ .
وكثيرٌ من الناسِ أحياءٌ ، ولكنَّهم كالأمواتِ ، لا يُدركون سرَّ
حياتِهم ، ولا يُقدمون لمستقبلهم ولا لأُمَّتِهمْ ، ولا لأنفسِهم خيراً * رَضُواْ
بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ * ، * لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ *
.
إنَّ المرأة السوداء التي كانتْ تقُمُّ مسجد الرسول - صلى الله عليه
وسلم - قامتْ بدورِها في الحياةِ ، ودخلتْ بهذا الدَّورِ الجنة * وَلأَمَةٌ
مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ * .
وكذلك الغلامُ الذي صَنَعَ المِنْبر للرسولِ - صلى الله عليه وسلم -
أدَّى ما عليهِ ، وكسب اجراً بهذا الأمرِ ، لأنَّ موهلته في النّجارةِ *
وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ * .
سمحتِ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيَّةُ عام 1985 م بدخولِ الدُّعاةِ
المسلمين سجون أمريكا ، لأنَّ المجرمين والمروِّجين والقَتَلَةَ ، إذا اهتدَوْا
إلى الإسلامِ ، أصبحوا أعضاءً صالحين في مجتمعاتِهمْ * أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً
فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ * .
دعاءانِ اثنانِ عظيمانِ ، نافعانِ لمنْ أراد السَّداد في الأمورِ
وضبْطِ النفسِ عند الأحداثِ والوقائعِ .
الأولُ : حديثُ عليٍّ ، أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لهُ
: (( قُلْ : اللهمَّ اهدنِي وسدِّدْني )) . رواهُ مسلمٌ .
الثاني : حديثُ حُصيْن بن عبيدٍ ، عند أبي داود : قال له - صلى الله
عليه وسلم - : (( قلْ : اللَّهمَّ ألهمني رُشدْي ، وقِني شرَّ نَفَّسي )) .
إذا لمْ يكنْ عونٌ من اللهِ للفتى فأكثرُ ما يجني عليه اجتهادُهُ
التَّعلُّقُ بالحياة ، وعشْقُ البقاءِ ، وحبُّ العيْشِ ، وكراهِيَةُ
الموتِ ، يُوردُ العبدَ : الكدَرَ وضِيقَ الصَّدرِ والمَلَقَ والقلق والأرق
والرَّهق ، وقد لام الله اليهود على تعلُّقِهم بالحياةِ الدنيا ، فقال : *
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ
يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ
الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * .
وهنا قضايا ، منها : تنكيرُ الحياةِ ، والمقصودُ : أنَّها أيَّ حياةٍ
، ولو كانتْ حياة البهائمِ والعجْماواتِ ، ولو كانتْ شخصيةً رخيصةً فإنَّهمْ
يحرصون عليها .
ومنها : اختيارُ لفظِ : ألفِ سنةٍ لأنَّ اليهوديَّ كان يلقى
اليهوديَّ فيقولُ لهُ : عِمْ صباحاً ألف سنةٍ . أي : عِشْ ألف سنةٍ . فذكر سبحانهُ
وتعالى أنهمْ يريدون هذا العمر الطويل ، ولكنْ لو عاشوهُ فما النهايةُ ؟! مصيرُهم
إلى نارٍ تلظَّى * وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ * .
منْ أحسنِ كلماتِ العامةِ : لا همَّ واللهُ يُدْعى .
والمعنى : أنَّ هناك إلهاً في السماءِ يُدعى ، ويُطلبُ منهُ الخيْرُ
، فلماذا تهتمّ أنت في الأرضِ ، فإذا وكَّلت ربَّك بهمِّك ، كشَفَه وأزاله *
أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ * ، * وَإِذَا
سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا
دَعَانِ*
أخلِقْ بذي الصَّبرِ أنْ يحظى بحاجتِهِ ومُدْمِنِ القرْعِ للأبوابِ أن يلِجا
*******************