نقْد
أهلِ الباطلِ والحُسَّادِ
فإنك
مأجورٌ - من نقدهمْ وحسدهِمْ - على صبرِك ، ثمَّ إنَّ نقدهُمْ يساوي قيمتك ، ثم
إنَّ الناس لا ترفسُ كلباً ميتاً ، والتافهين لا حُسَّاد لهم .
قال
أحدُهمْ :
إن العرانين تلقاها مُحَسَّدةً ولا ترى لِلِئَامِ الناسِ
حُسَّادا
وقال
الآخر :
حَسَدُوا الفتى إذْ لم ينالوا سعيَهُ فالناسُ أعداءٌ لهُ
وخصومُ
كضرائرِ الحسناءِ قُلْن لوجهِهَا حسداً ومقتاً إنهُ لذميمُ
وقال
زهيرٌ :
مُحسَّدُون على ما كان من نِعَمٍ لا ينزعُ الله منهمْ ما له
حُسِدوا
وقال
آخرُ :
همْ يحسدوني على موتي فوا أسفاً حتى على الموتِ لا أخلو مِنَ الحسدِ
وقالُ
الشاعرُ :
وشكوتَ مِن ظلمِ الوشاةِ ولنْ تجدْ ذا سؤددٍ إلا أُصيب بحُسَّدِ
لا زلت ياسِبط الكرامِ محسَّداً والتافهُ المسكينُ غيرُ
محسَّدِ
سألَ
موسى ربَّ أنْ يكفَّ ألسنةَ الناسِ عنهُ ، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ : (( يا موسى ،
ما اتخذتُ ذلك لنفسي ، إني أخلقُهم وأرزقُهُمْ ، وإنهم يسبُّونَنِي ويشتُموننِي ))
!!
وصحَّ
عنهُ - صلى الله عليه وسلم - أنهُ قال : (( يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ : يسبُّني ابنُ
آدمَ ، ويشتمني ابنُ آدم ، وما ينبغي له ذلك ، أمَّ سبُّه إياي فإنهُ يسبُّ الدهر
، وأنا الدهرُ ، أقلِّبُ الليلَ والنهارَ كيف أشاءُ ، وأما شتمُه إياي ، فيقولُ :
إنّ لي صاحبةً وولداً، وليسَ لي صاحبةٌ ولا ولدٌ)).
إنكَ
لنْ تستطيع أن تعتقل ألسنةَ البشرِ عن فرْي عِرْضِك ، ولكنك تستطيعُ أن تفعلَ
الخيرَ ، وتجتنب كلامهم ونقدهم .
قال
حاتمٌ :
وكلمةِ حاسدٍ منْ غيرِ جرْمِ سمعتُ فقلتُ مٌرّي فانفذيني
وعابوها عليَّ ولم تعِبْني
ولم يند لها أبداً جبيني
وقال
آخرُ :
ولقدْ أمرُّ على السفيهِ يسُبُّني فمضيتُ ثَمَّة قلتُ لا يعنيني
وقال
ثالثٌ :
إذا نَطَقَ السَّفيهُ فلا تُجِبْهُ فخيرٌ مِنْ إجابِتِه
السكوتُ
إنَّ
التافهين والمخوسين يجدون تحدِّياً سافراً من النبلاءِ واللامعين والجهابذةِ .
إذا محاسني اللائي أُدِلُّ بها كانتْ ذنوبي فَقُلْ لي كيف
أعتذرُ؟!
أهلُ
الثراءِ في الغالبِ يعيشون اضطراباً ، إذا ارتفعتْ أسهمُهم انخفضَ ضغطُ الدمِ
عندهم ، * وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ{1} الَّذِي جَمَعَ مَالاً
وَعَدَّدَهُ{2} يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ{3} كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي
الْحُطَمَةِ * .
يقولُ
أحدُ أدباءِ الغَرْبِ : افعلْ ما هو صحيحٌ ، ثم أدرْ ظهرك لكلِّ نقدٍ سخيفٍ !
ومن
الفوائدِ والتجاربِ : لا تردَّ على كلمةٍ جارحةٍ فيك ، أو مقولةٍ أو قصيدةٍ ،
فإنَّ الاحتمالَ دفنُ المعايبِ ، والحلم عزٌّ ، والصمت يقهرُ الأعداء ، والعفو
مثوبةٌ وشرفٌ ، ونصفُ الذين يقرؤون الشتم فيك نسوهُ ، والنصفُ الآخرُ ما قرؤوه ،
وغيرهم لا يدرون ما السببُ وما القضيةُ ! فلا تُرسِّخْ ذلك أنت وتعمِّقهُ بالردِّ
على ما قيل .
يقولُ
أحدُ الحكماءِ : الناسُ مشغولون عني وعنك بنقصِ خبزِهم ، وإنَّ ظمأ أحدِهم ينُسيهم
موتي وموتك .
بيتٌ
فيه سكينةٌ مع خبز الشعيرِ ، خيرٌ من بيتٍ مليء بأعدادٍ شهيةٍ من الأطعمةِ ، ولكنه
روضة للمشاغبة والضجيج .
**********************
منقول من كتاب
لا تحزن
للشيخ عائض القرني