دعِ
القَلَقَ
لا
تحزنْ ، فإنَّ ربك يقولُ :
( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ ): وهذا عامٌّ لكلِّ من حمَلَ الحقَّ وأبصرَ النورَ ، وسلَكَ الهُدَى.
*أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ
صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ
قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ * : إذاً فهناك حقٌّ يشرحُ الصدور ، وباطلٌ
يقسِّيها .
*فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن
يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ* : فهذا الدينُ غايةٌ لا يصلُ إليها
إلا المسدَّد .
* لاَ تَحْزَنْ إِنَّ
اللّهَ مَعَنَا * : يقولُها كلُّ منْ يتيقَّنَ رعاية اللهِ ، وولايته ولطفه
ونصرَه.
*الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ
النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ
إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * : كفايتُه تكفيك ،
وولايتُه تحميك .
*يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * : وكلُّ منْ سلك هذهِ
الجادَّة حصل على هذا الفوزِ .
* وَتَوَكَّلْ عَلَى
الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ* : وما سواهُ فميِّتٌ غَيْرُ حيٍّ ، زائلٌ غَيْرُ
باقٍ ، ذليلٌ وليس بعزيزٍ .
* وَاصْبِرْ وَمَا
صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ
مِّمَّا يَمْكُرُونَ{127} إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم
مُّحْسِنُونَ* : فهذهِ معيتهُ الخاصةُ لأوليائِهِ بالحفظِ والرعايةِ والتأييدِ
والولايةِ ، بحسبِ تقواهمْ وجهادِهمْ .
*وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ
تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*: علوّاً في العبوديةِ
والمكانةِ .
* لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ
أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ * .
*كَتَبَ اللَّهُ
لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * .
* إِنَّا لَنَنصُرُ
رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ
الْأَشْهَادُ * .
وهذا
عهدٌ لنْ يخْلَفَ ، ووعدٌ لنْ يتأخَّرَ .
* وَأُفَوِّضُ أَمْرِي
إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ{44}فَوَقَاهُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا* .
* وَعَلَى اللّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * .
لا
تحزنْ وقدِّرْ أنكَ لا تعيشُ إلا يوماً واحداً فَحَسْبُ ، فلماذا تحزنُ في هذا
اليومِ ، وتغضبُ وتثورُ ؟!
في
الأثرِ : (( إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءَ ، وإذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباحَ )) .
والمعنى
: أن تعيشَ في حدودِ يومِك فَحَسْبُ ، فلا تذكرِ الماضي ، ولا تقلقْ من المستقبلِ
. قال الشاعرُ :
ما مضى فاتَ والمؤمَّل غَيْبٌ ولك الساعةُ التي أنت فيها
إنَّ
الاشتغالَ بالماضي ، وتذكُّرَ الماضي ، واجترار المصائبِ التي حدثتْ ومضتْ ،
والكوارثَ التي انتهتْ ، إنما هو ضَرْبٌ من الحُمْقِ والجنونِ .
يقول
المَثَلُ الصينيُّ : لا تعبرْ جِسْراً حتى تأتيَه .
ومعنى
ذلك : لا تستعجلِ الحوادثَ وهمومَها وغمومَها حتى تعيشَها وتدركَها .
يقولُ
أَحَدُ السلفِ : يا ابن آدمَ ، إنما أنتَ ثلاثةُ أيامٍ : أمسُكَ وقدْ ولَّى ،
وغدُكَ ولمْ يأتِ ، ويومُك فاتقِّ اللهَ فيه .
كيف
يعيشُ منْ يحملُ همومَ الماضي واليومِ والمستقبلِ ؟! كيف يرتاحُ منْ يتذكرُ ما صار
وما جرى ؟! فيعيدهُ على ذاكرتِهِ ، ويتألمُ لهُ ، وألمُه لا ينفعُه ! .
ومعنى
: (( إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءَ ، وإذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباحَ )): أيْ : أن
تكونُ قصيرَ الأملِ ، تنتظرُ الأجَلَ ، وتُحْسِنُ العَمَلَ ، فلا تطمحْ بهمومك
لغيرِ هذا اليومِ الذي تعيشُ فيه ، فتركّزَ جهودكَ عليه ، وتُرتِّبَ أعمالَكَ ،
وتصبَّ اهتمامَك فيهِ ، محسِّناً خُلقَكَ مهتمّاً بصحتِك ، مصلحاً أخلاقَكَ مع
الآخرين .
**********************
منقول من كتاب
لا تحزن
للشيخ عائض القرني