( قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ)
مما
يشرحُ الصَّدْرَ ، ويزيحُ سُحُب الهمِّ والغمِّ ، السَّفَرُ في الديارِ ، وقَطْعُ
القفارِ ، والتقلبُ في الأرضِ الواسعةِ ، والنظرُ في كتابِ الكونِ المفتوحِ لتشاهد
أقلام القدرةِ وهي تكتبُ على صفحاتِ الوجودِ آياتِ الجمالِ ، لترى حدائق ذات بهجةٍ
، ورياضاً أنيقةً وجناتٍ ألفاً ، اخرجْ من بيتكَ وتأملْ ما حولك وما بين يديك وما
خلفك ، اصْعَدِ الجبال ، اهبطِ الأودية ، تسلّقِ الأشجارَ ، عُبَّ من الماءِ
النميرِ ، ضعْ أنفك على أغصانِ الياسمين ، حينها تجدُ روحك حرةً طليقةً ، كالطائرِ
الغرّيدِ تسبحِّ في فضاءِ السعادةِ ، اخرجْ من بيتِك ، ألقِ الغطاء الأسودَ عن
عينيك ، ثم سرْ في فجاجِ اللهِ الواسعةِ ذاكراً مسبحاً .
إنَّ
الانزواء في الغرفةِ الضيّقةِ مع الفراغِ القاتل طريقٌ ناجحٌ للانتحارِ ، وليستْ
غرفتك هي العالمُ ، ولست أنت كلَّ الناسِ فَلِمَ الاستسلامُ أمام كتائبِ الأحزان ؟
ألا فاهتفْ ببصرِك وسمعِك وقلبِكَ : * انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً * ، تعال
لتقرأ القرآن هنا بين الجداولِ والخمائِل ، بَيْنَ الطيورِ وهي تتلو خُطَبَ الحبِّ
، وبَيْنَ الماءِ وهو يروي قصة وصولهِ من التلِّ .
إن
التَّرحْالَ في مساربِ الأرض متعةٌ يوصِي بها الأطباءُ لمن ثَقُلَتْ عليه نفسُهُ ،
وأظلمتْ عليهِ غرفتهُ الضيقةُ ، فهيَّا بنا نسافْر لنسعد ونفرح ونفكر ونتدبّر *
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا
بَاطِلاً سُبْحَانَكَ * .
**************************
منقول من كتاب
لا تحزن
للشيخ عائض القرني